يسعد مركز "مناهل للدراسات والأبحاث وإحياء التراث" أن يقدم هذا الإصدار الجديد إلى السادة الباحثين وجمهور القراء والمتطلعين إلى المعرفة، بأبعادها المختلفة، وهو يعرض أعمال الندوة الدولية الأولى، الموسومة بـ"العلوم الاجتماعية وخدمة قضايا الإنسان المعاصر: الرهانات والحدود"، التي نظّمها المركز يومه الثلاثاء 11 رجب 1445ه، الموافق لـ23 يناير 2024م، في رحاب المركب الاجتماعي بمدينة العروي/ إقليم الناظور شمالَ المغرب.
وسيجد القارئ الكريم في هذا السِّفر جملة من المباحث، التي قاربت الموضوع المذكور
من زاويا مختلفة، منطلِقةً من سؤال تأسيس علم الاجتماع بين السياقين الإسلامي
والغربي، وأصل المنهج العلمي الاستقرائي، الذي يدرس الظواهر الاجتماعية
بعيدا عن التأملات الفلسفية المجردة؛ هل هو منهج انفرد به الغرب، أم إنّ له
جذورا وامتدادات في الحضارة العربية الإسلامية؟ وامتد الحديث، في هذا المضمار، إلى تشخيص
الأزمة الإنسانيّة الرّاهنة، وبيان الفروض التي ينبغي النهوض بها في إطار النظام
العالمي الجديد، ومدى الحاجة إلى العلوم الاجتماعية...
كما تناولت بحوثه - في
جانبها التطبيقي- جملة من المشكلات الاجتماعية؛ مثل قضية الأجيال المهاجِرة بين تدبير
المعتقَد الديني ومقتضيات الاندماج في مجتمعات دول الاستقبال، ومشكلة
الانفعالات النفسية ومداخل ضبطها، وآليات ترشيد العمل الدعوي والسياسي، ومنهج بناء
الأسرة، وقضايا التربية والتنشئة الاجتماعية، وعالم الرقمنة بإمكاناته وتحدياته
المختلفة... فهذه عينة من المشكلات والقضايا التي تناولتها أقلام جادّة، باعتماد
مقاربات ومناهج مختلفة، منها ما ركز على البعد النظري لمبادئ ونظريات العلوم
الاجتماعية، ومنها ما استند إلى بعض العلوم الشرعية، وما تقدمه من حلول في سياق بناء
الإنسان، وتدبير مشكلاته المختلفة.
وكل ما تم استحضاره في هذه المقاربات المتعددة يدل دلالة واضحةً على صلب
الموضوع، الذي اهتم في الأساس بالإنسان، الذي تعددت مشكلاته في عالم معقد، إلى حد
أصبح اعتماد ذلك التكامل المعرفي مُلِحّا وضروريا؛ من أجل توظيف كل ما جادت به
القرائح البشرية من علوم ومعارف ومناهج؛ للسير بهذا الإنسان نحو بَرِّ النجاة
والأمان.
وإننا، اليومَ، إذ نطْبَع أعمال هذه الندوة - بعد طبع أعمال الندوة الأولى
الوطنية - خدمةً للبحث العلمي الرصين، ونخْرِجُها إلى حيز الوجود؛ ليستفيد منها
رواد العلم وطلّاب المعرفة، فإننا نرجو أن تعقبها أعمال لندوات أخرى في المستقبل
القريب إن شاء الله تعالى.