يسر هيئة التحرير بمجلة المنتقى للدراسات والأبحاث وإحياء التراث أن تقدم بين يدي جمهورها من القراء والباحثين عددها الثالث الخاص بموضوع الندوة الوطنية الموسومة بـ "سؤال المنهج وتجديد العلوم عند أبي إسحاق الشاطبي" (ت:970هـ)؛ التي أشرف على تنظيمها مركز مناهل للدراسات والأبحاث وإحياء التراث، وعقدت في رحاب الكلية المتعددة التخصصات بمدينة الناظور، بتاريخ: 20 ماي 2025م

وقد اختارت هيئة تحرير المجلة نشر موضوعها في هذا العدد المتميز، والاحتفاء بهذا العَلم الجليل (الإمام الشاطبي)؛ باعتباره العَالِم الذي قصد مشروع إحياء الأمة، بإحياء علومها وتجديد فاعليتها في فهم الخطاب الشرعي، ولم يقتصر دوره التجديدي على النظر الأحادي للعلوم، بل اعتمد نظرة كلية تكاملية تجعل العلوم منزلة جملة واحدة من حيث الإعمال والاستثمار وتفعيلها في مختلف المجالات.

 وقد شكلت شخصية الإمام الشاطبي رافداً مهما من روافد بناء المنهج التجديدي للعلوم الإنسانية والشرعية، إذ نجد في تراثه العلمي قدرة هائلة على توظيف العلوم وبناء قواعدها، وإعادة الجِدة لها، ويشمل ذلك علم الوحيين قرآنا وسنة، وعلم اللغة، والكلام، والأصول، والمقاصد، والفقه، والخلاف، والأخلاق، وسائر العلوم الشرعية والإنسانية، كل ذلك في رؤية تكاملية، تهدف إلى وضع اليد على ما سبق من الاختلالات والمشكلات التي اعترضت هذه العلوم وقلصت من وظيفتها التي أنيطت بها في أزمنة متعاقبة(1)

وبناء على ما سبق بيانه؛ فقد جاء هذا العدد الثالث -الذي تكاثفت فيه جهود البحَثة والدارسين لهذا الموضوع-ليكشف عن بعض ملامح المنهج التجديدي للإمام أبي إسحاق الشاطبي في العلوم الإسلامية والإنسانية في ظل منهج معرفي متكامل، وهي بحوث رغم أنها جاءت بعناوين مختلفة، إلا أن جُلها يتقاطع في مجالين أساسين.

يتعلق المجال الأول بالبحوث التي اهتمت بسؤال المنهج في الأصول ومقاصد الشريعة عند أبي إسحاق الشاطبي، وانصبت في اتجاه دراسة بناء مادتها، ومصطلحاتها، ومحاولة استقراء بعض إشكالات الدرس الأصولي التي اهتم بها هذا الإمام، سواء على مستوى ربطه بمقاصد الشريعة الإسلامية، أو على مستوى النقد والتجديد في مباحث أصول الفقه.

وقد تطرقت بعض البحوث من هذا الصنف كذلك إلى جانب مهم من جوانب التجديد عند الإمام الشاطبي، وهو ربط مباحث أصول الفقه ومصطلحاته بمحيط الشاطبي، وما كان يعيشه من سياقات فكرية، واجتماعية، وسياسية...

وفي هذا السياق جاء الحديث عن مقاربة فهم منهجه في مبحث علاقة السبب بالمسبب وتعليل أفعال الله تعالى في حل بعض الإشكالات المعرفية والمنهجية لدى بعض الملحدين المعاصرين، وعن دواعي إسهابه في تناول مصطلح المباح، وما كان يعيشه من ظروف تنذر بالانحطاط وخراب العمران التي دفعته إلى إبداعه وتجديده فيه.

 وهي بحوث تقدم لنا إضاءات منهجية ومعرفية لمواصلة البحث فيما استجد في عصرنا من قضايا اختل فيها نظام التصور والسلوك، وفسدت فيها الفطر السليمة لدى أهلها، لا سيما في بعض القضايا المرتبطة بالمقاصد وبمنهج الشاطبي فيها، وهذا ما نلمسه في بحوث مثل: إشكالية تجديد علم الأخلاق وتقويم السلوك في العصر الرقمي من خلال المنهج الإصلاحي عند الشاطبي، وقضية تأويلات الحداثيين لنظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي.

هذا بالإضافة إلى المجال الثاني الذي اهتمت به مجموعة من البحوث المتعلقة بالعلوم اللغوية عند الإمام الشاطبي في فهم الخطاب الشرعي؛ استقراء واستدلالا واحتجاجا...وهي بحوث أبانت عن أوجه الصلة بين علوم اللغة العربية ومقاصد الشريعة الإسلامية وبيان أحكامها.

والمجلة إذ تواصل سلسلة إصدارها العلمية بهذا العدد الثالث، الذي تضعه بين يدي القراء والباحثين فإنها تأمل أن تلبي جزءا من تطلعاتهم العلمية والمعرفية، وأن يستمر عطاؤها العلمي وإشعاعها الثقافي من خلال أعداد أخرى قادمة إن شاء الله تعالى، تراهن فيها على الإسهامات الجادة من أقلام البحَثة المتميزة؛ التي خبرت نوازل البحث العلمي ومشكلاته.




(1)  ديباجة الاستكتاب، سؤال المنهج وتجديد العلوم عند أبي إسحاق الشاطبي، الحسين مهداوي، بلال البراق، محمد شقرون، ص: 2.

أحدث أقدم

ميزة جدول التنقل