حق للأمة الإسلامية أن تقف مع مناسبة ذكرى
مولد الرسول صلى الله عليه وسلم وقفة فرح وسرور بميلاده صلى الله عليه وسلم، وأن تخص
هذا اليوم بخصائص ومميزات، ليتميز به عن سائر الأيام، تعريفا به وتنبيهاً للغافل عن
فضله.
قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ (يونس:
58) فهو الميلاد الذي جاء بالرحمة المهداة للناس أجمعين. مصداقا لقوله
تعالى: ﴿وَمَا أرسَلنَاكَ إلا رَحمَة للعَالمينَ﴾ (الأنبياء: 107) فكان
صلوات ربي وسلامه عليه رحمة للناس أجمعين.
وما أحوجنا في هذه المناسبة إلى أن نُذَكِّر بهذا النبي
الكريم، صلوات ربي وسلامه عليه، ونتدارس سيرته وأخلاقه في زمن ابتعد الناس فيه عن
أخلاق النبوة وتاهوا في دروب الظلال والشقاء.
قال الله جل شأنه واصفا حال نبيه صلى الله عليه وسلم:
﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٞ مِّنَ اَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُومِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞۖ﴾ (التوبة: 128)
فهو صلى الله عليه وسلم يشق عليه ما كان فيه الناس
من العنت والحرج والضيق، وحريص على إسعادهم وإخراجهم من كل ما يحزنهم إلى كل ما
يسرهم.
لهذه الصفات والقيم خصته أمته بالتوقير والتعظيم
والتبجيل، والاحتفال بمولده، والتعريف به وبشمائله لدى الناس أجمعين، كما يقول
الإمام البصيري رحمه الله.
وانْسُبْ إلى ذاتِهِ ما
شِئْتَ مِنْ شَرَفٍ ** وَانْسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ
فإن فضلَ رسولِ اللهِ ليسَ لــــهُ ** حَدٌّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بفَم
فمبلغُ العلمِ فيهِ أنهُ بشــــــر ** وأنهُ خيرُ خلقِ اللهِ كلهمِ
فحق للأمة جمعاء أن تتذكر في هذه المناسبة الدينية
الكبرى هذه الصفات، وتنأى بنفسها عن تلك المعارك التي تحصل بين أفرادها في هذه
المناسبات، بسبب أشياء اتخذت كأنها قضايا مصيرية كبرى لهذه الأمة.
وواجب عليها كذلك الترفع عن تلك السلوكات
والممارسات، والبدع والطقوس التي لا تمت إلى هدي الحبيب بصلة، حتى صار كأن كل من
يتحدث عن ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولئك القوم.
إن السؤال المطروح في هذه المناسبات: هل نحن على أتم
الاستعداد لنتعلم من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك العلم الذي يوحدنا ويحصن
الأمة جمعاء من النزاع والخلاف؟
وليكن
موضوع المدارسة مثلاً مفهوم هذه السنة - التي أسيء فهمها- وأنواعها، ومفهوم الدليل
وأنواعه؟ وتروك النبي صلى الله عليه وسلم وأقسامها؟
لأن الكثير من الناس الدليل عندهم هو كل ما لم
يفعله الرسول ﷺ فهو لا يجور
فعله، والسنة ما يتعلق بقول وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وتقريره فقط.
في حين لو رجعنا إلى كتب الأصول لوجدنا أن السنة
تطلق على أمر رابع، وهو ما جاء عن الصحابة والخلفاء الراشدين، وما صدر عنهم من
الأحكام على وجه الاجتهاد، المبني على أصول كلها سنية؛ من القياس، والمصلحة
المرسلة، والاستحسان، والعرف الحسن...
ولو رجعنا إلى كتب الأصول لوجدناها تفصل - أيضاً- في
أنواع التروك النبوية، فتذكر منها: الترك المحرم، والمباح، والترك خوف الافتراض،
والترك مراعاة لحق الغير، ومخافة المفسدة...
فليس كل شيء تركه النبي صلى الله عليه
وسلم يعد من قبيل الحرام، كما نسمع عند البعض الآن، المستهلكين للفتاوى المرسلة على شبكة الأنترنت
العابرة للقارات والمحيط.
للأسف الشديد هذه من مسائل الاجتهاد، التي يذكرها
العلماء في آخر كتبهم الأصوليه، وفي باب الاجتهاد، (وما أدراك ما باب الاجتهاد)،
ولكن يصر - للأسف الشديد- صغار القوم على أن يخوضوا فيها ويتخذوا منها مناسبة للتشويش
والتبخيس من أعمال الناس ومن علمهم وحبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته.
فلو سكت الناس عن هذا اليوم واعتبروه كغيره من
الأيام لفات الأمة الإسلامية الشيء العظيم، وخسرت ما خسرته بتركها للعديد من السنن
المهجورة اليوم بسبب الكثير من دعاوى التبخيس والتشويش والغمر والاستهزاء.
لذلك يصبح الواجب اليوم على المسلمين أن يميزوا
هذا اليوم المبارك عن غيره تعريفا بميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعريف بسيرته،
وفضله على هذه الأمة، بل على العالم بأسره.